فصل: مسألة حلف بطلاق امرأته ألا يفارقه حتى يذهب به إلى السلطان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال لامرأته إذا كفلت ابني ثلاث سنين فأنت طالق البتة:

ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة:
وسئل مالك: عن رجل قال لامرأته إذا كفلت ابني ثلاث سنين فأنت طالق البتة، وكان بينه وبينها كلام، فقال لها: ما يمنعني من فراقك إلا مكان ابني، ولكن إذا كفلته ثلاث سنين فأنت طالق.
فقال: أراها طالقا البتة حين تكلم به.
قال ابن رشد: مثل هذا في سماع عبد المالك عن ابن القاسم، وإنما لزمه الطلاق في الوقت لأنه مطلق إلى أجل هو آت على كل حال، كمن قال لامرأته أنت طالق إلى ثلاث سنين، هذا مفهوم من قصد الحالف على بساط المسألة أنه إنما كره أن يطلقها وله منها ولد صغير يشقى بكفالته فأراد أن يوقع على نفسه طلاقها بعد ثلاثة أعوام كي إن عاش الولد إلى هذه المدة كان قائما بنفسه مستغنيا بذاته، ولم يكره حصانة الولد فيكون ذلك شرطا في الطلاق لا يقع عليه إلا باستيفائها مدة الحضانة كمثل أن يكره من زوجته حضانتها للصبي وتسأله أن يبيح لها ذلك، فيأبى ويقول: إن حضنته ثلاثة أعوام فأنت طالق، فهذا لا يقع عليه طلاق إن لم يستكمل حضانة الثلاثة الأعوام، كمن قال لزوجته: إن صحب فلان زوجته ثلاثة أعوام فأنت طالق، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته ألا يفارقه حتى يذهب به إلى السلطان:

وسئل: عن رجل وقع بينه وبين رجل خصومة فحلف بطلاق امرأته ألا يفارقه حتى يذهب به إلى السلطان أو إلى صالح فلقي حاطبا خليفة صالح، فقال: أرسله.
فقال مالك: حاطب ليس بصالح، ولو شاء لجلس معه حتى يصبح فيلقى صالحا، وكأنه رآه حانثا وشدد عليه في ذلك.
قال محمد بن رشد: قوله حاطب ليس بصالح، يدل على أنه لم ير أن يبرأ إلا أن يذهب به إلى من سماه بعينه، وذلك على القول بمراعاة مقتضى حقيقة الألفاظ في الأيمان دون ما يظهر من المقاصد فيها؛ لأن الظاهر من مقصد الحالف بهذه اليمين أنه إنما أراد الإرهاب عليه بالذهاب به إلى من يهابه لمرتبته، وسمى صالحا لتوسمه ذلك فيه، فلو ذهب به على هذا إلى من هو فوق صالح من الحكام لبر كذلك لو حلف ألا يفارقه حتى يذهب به إلى السلطان أو إلى حاطب خليفة صالح فذهب به إلى صالح لبر، وهو الذي يأتي على ما في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، وأما إذا ذهب به إلى حاطب خليفة صالح الذي سمى فلا اختلاف أنه لا يبر بذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لأمه بطلاق امراته ألا تأمره فيها ولا تمنعه أن ينفعها:

وسئل: عن رجل قال لامرأته وعاتبته أمه في امرأته فقال لها هي طالق البتة إن كانت تأمرني فيك ولا تمنعني أن أنفعك فانقلبت إلى امرأتي فقلت لها إني أخشى أن أكون وقعت في عظيم، فقالت: ما هو؟ قال: إني قد حلفت لأمي بطلاقك أنك لا تأمرني فيها ولا تمنعيني أن أنفعها، وإنما المال الذي في يد الرجل مال المرأة، فقالت له: قد قلت لك عام الأول لا تعطيها شيئا من مالي، قال: فذكرت له ذلك.
فقال مالك: أراها قد بانت منك بثلاث.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أنه إنما حلف على يقينه ناسيا لقولها، فلما تذكره وجب عليه الحنث؛ لأن ذلك لغو وهو لا يكون إلا في اليمين بالله أو ما كان في معناه، وبالله التوفيق.

.مسألة يسلمه الرجل وديعة فقال امرأتي طالق البتة إن كانت في بيتي:

وسئل مالك: عن رجل يسلمه الرجل وديعة كان استرفقه إياها قال قد دفعتها إليك، فما زال العداء بينهما حتى قال امرأتي طالق البتة إن كانت في بيتي، فلقيه رجل فقال له في علمك، فقال: في علمي.
قال مالك: إن كان استثناؤه ذلك نسقا متتابعا ليس فيما بينهما صمات وكان ذلك كلاما واحدا نسقا فلا أرى عليه حنثا، وله ثنياه.
قال محمد بن رشد: يريد أن ثنياه تنفعه إن وجدت الوديعة في بيته ولا يحنث، وهو صحيح لأنه قيد عموم قوله بالعلم، وغير العلم بالعلم، فخرج من ذلك غير العلم؛ لأن تقييد العموم بصفة يقتضي أن يخرج منه من ليس على تلك الصفة، فذلك في المعنى كالاستثناء بحرف من حروف الاستثناء، فوجب أن يكون له حكمه في أنه عامل بشرط تحريك اللسان واتصاله بالكلام، وقد مضى هذا المعنى مبينا في رسم الجنائز والذبائح والنذور من سماع أشهب من كتاب النذور وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرا إلى السلطان فرفعه إلى صاحب الحرس:

حلف بالطلاق ليرفعن أمرا وسئل مالك: عن رجل حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرا إلى السلطان فرفعه إلى صاحب الحرس؟
فقال مالك: ليس صاحب الحرس سلطانا، قال ابن القاسم: يريد صاحب الحرس الذي يعس، فأما صاحب الشرط فهو سلطان، قال: ولا يكون صاحب المسلحة سلطانا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن لفظ اسم السلطان عام يقع على كل من له القضاء والحكم بين الناس، قال عز وجل: {فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33]، فإذا رفع أمره إلى من إليه تنفيذ الحكم في ذلك الأمر فقد بر، والعسس ليسوا بحكام وإنما هم أعوان لهم يرفعون الأمور إليهم، فوجب أن لا يبر بالرفع إليهم من حلف أن يرفع إلى السلطان وبالله التوفيق.

.مسألة قال امرأته طالق إن قضاك شهرا فيستأذى عليه صاحب الحق:

قال: وسئل مالك: عن الرجل يكون له الحق على رجل قد حل فخرج يطلبه بحقه ويقول المطلوب امرأته طالق إن قضاك شهرا فيستأذى عليه صاحب الحق فيأمر السلطان ببيع متاعه حتى يقتضي، كيف ترى الأمر فيه؟
قال: أرى أن يدين، إن قال لم أرد إلا ألا أقضي أنا ولم أرد السلطان فذلك له وأدينه في ذلك ما الذي أراد بيمينه، فإن حاشا السلطان لم أر عليه شيئا وإن لم يحاش السلطان رأيته حانثا.
قال محمد بن رشد: قوله إنه يدين يريد مع يمينه على ما يأتي في آخر سماع أشهب، وابن الماجشون لا يرى عليه حنثا إذا قضاه بأمر السلطان أو باع السلطان عليه ماله فقضاه إلا أن يريد مغالبة السلطان أو يحلف بين يديه فيتبين أنه أراد مغالبته، وقد مضى الاختلاف في هذه المسألة في رسم سلعة سماها قبل هذا فلا وجه لإعادته.

.مسألة يحلف بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه إلى شهر:

وسئل مالك: عن الرجل يكون له قبل الرجل الحق فيحلف بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه إلى شهر إلا أن يحب أن يؤخره في مثل يمينه الذي حلف له بها، فلما كان قبل الشهر بيوم وخاف صاحب الحق أن يحل الشهر فيحنث أنظره من قبل نفسه شهرا آخر وأشهد له، والذي عليه الحق حاضر لم يسأله ولم يستنظره.
قال مالك: عسى، يريد بذلك أن ذلك يجوز، قال سحنون: قال ابن القاسم: ورأيت مالكا يخففه، وقال: لا بأس به وإن لم يسأله، نظرته جائزة ولا حنث عليه، وهذا الذي أراد مالك، وروى عيسى عن ابن القاسم مثله.
قال محمد بن رشد: أما نظرته إياه دون أن يستنظره إذا حلف ليقضينه حقه إلى أجل كذا وكذا إلا أن يحب أن يؤخره فجائزة على ما يقتضيه اللفظ إذا لم يقل إلا أن يستنظره فيجب أن ينظره، وإنما قال مالك:
عسى أن يجوز وخففه ولم يقطع بجوازه مخافة أن يكون قصد الحالف إلا أن يستنظره فيجب أن ينظره، ولم يتكلم هل تبقى عليه اليمين إلى الأجل الذي أنظره إليه أم لا؟ ولا اختلاف في أنها تبقى عليه في هذه المسألة لقوله فيها: في مثل يمينه الذي حلف له بها، ولو قال إلا أن يحب أن يؤخره ولم يقل في مثل يمينه التي حلف له بها لتخرج ذلك على قولين:
أحدهما: أن اليمين تُبْقِي عليه إلى الأجل الذي أخره إليه لأنه هو المعنى المفهوم من قصد الحالف، وهو قول مالك في رسم نذر سنة بعد هذا.
والثاني: أن اليمين تسقط عنه بالتأخير ولا يرجع عليه؛ لأنه هو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ في حكم الاستثناء في اللسان، ويدل عليه قوله في هذه المسألة في مثل يمينه التي حلف له بها، ولو قال إلا أن يوسع له في الأجل أو يفسح له فيه لبقيت عليه اليمين إلى الأجل الذي أخره إليه على ما في سماع عيسى بعد هذا في رسم أوصى قولا واحدا؛ لأنه هو ذلك الأجل الذي حلف عليه إلا أنه مده له ووسع عليه فيه، والله أعلم.

.مسألة قال لجارية أنت حرة إن لم أبعك فإذا هي حامل منه ولم يعلم:

ومن كتاب طلق ابن حبيب:
وسئل مالك: عن رجل كان له سوط وأنه غاب عن أهله أشهرا فقدم عليهم فعتب عن غلام له أراد ضربه فسألهم أن يعطوه السوط، فقالوا: لا نعلم مكانه، فكأنه ظن أن ذلك منهم كراهية ضربه الغلام، وإنهم خبوه عنه، فقال: حرم علي ما حل لي إن لم تأتوني به، فطلبوه فلم يجدوه ووجدوا سوطا غيره فأتوه به، فقال الخادم وغيرها من أهل البيت: هو هو، ولم يعرفوه وأنكر أن يكون هو.
قال مالك: أرى إن لم تكن عرفته أن الطلاق قد لزمك وقد بانت منك، وقال: لم أره يذكر شيئا أراده.
قلت له: فإن ذكر نية أكنت تنويه؟ قال: لم أره يذكره، وكأن وجه قوله أن يكون ذلك له، ومعنى ذلك في رأيي أن يقول لم أرده، وإن لم تكن له نية إنما حلفت على أني أظن أنهم غيبوه. قال ابن القاسم: ومثل ذلك كمثل الرجل يقول لجارية: أنت حرة إن لم أبعك، فإذا هي حامل منه ولم يعلم، فهل إن كانت له نية حين حلف وأراد، إلا أن تكون حاملا وإلا فقد عتقت عليه؛ لأنه لم يصل إلى بيعها، وكذلك قال إلى مالك، قال ابن القاسم: وكذلك السوط فيما رأيت من وجه قول مالك، إلا أن تكون له نية أن يقول: إنما حلفت وأنا أظن أنهم غيبوه، فإذا كانت نيته فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة خالف ابن القاسم فيها مالكا وذهب إلى أن تفسير قوله على مذهبه، فقال: ومعنى ذلك في رأيي أن يقول إلى آخر قوله: فالتبست المسألة بذلك وأشكلت، وقول مالك فيها: إنه حانث، إلا أن تكون له نية وإن كان حلف وهو يظن أنهم غيبوا عنه السوط، وذلك بين من قوله: لأنه قال أرى إن لم تكن عرفته، فإن الطلاق قد لزمك وبانت منك، وهو إنما حلف وهو يظن أنهم غيبوا عنه السوط كراهية لضرب الغلام، وقوله: لم أره يذكر نية يدل على أنه لو ذكر نية لنواه، والنية التي ينتفع عنده بها، وعلى مذهبه أن ينوي في حلفه عليهم أن يأتوه به إن كانوا خبوه وهم عالمون بموضعه على ما ظنه بهم على قياس قوله كالذي يحلف بحرية أمته فإذا هي حامل منه أنه حانث إلا أن يكون نوى إن لم تكن حاملا، وأما قوله وأراد إلا أن تكون حاملا فهو كلام وقع على غير تحصيل، ومراده به وأراد إن لم تكن حاملا؛ لأن قوله: إلا إنما هو استثناء ولا اختلاف في أن الاستثناء بـ إلا أن، لابد فيه من تحريك اللسان، وقول ابن القاسم فيها إنه لا حنث عليه إذا حلف وهو يظن أنهم غيبوه لأنه رأى أن حلفه وهو يظن ذلك بمنزلة النية التي رأى مالك أنه ينوي فيها وينتفع بها، وذلك خلاف لقوله، لا تفسير له كما ذهب إليه، وكذلك لا يحنث على مذهبه في مسألة الأمة التي حلف بحريتها ليبيعنها وإن لم تكن له نية؛ لأنه إنما حلف وهو يظن أنها غير حامل، وكذلك لو حلف بحريتها فألفاها الليلة فإذا هي حائض لم يحنث عند ابن القاسم وحنث على مذهب مالك، وهو قول أصبغ، وهذا على اختلافهم في مراعاة المقصد في الأيمان والاعتبار بمقتضى اللفظ دون مراعاة القصد.
ولو حلف ليطأنها الليلة فألفاها ميتة أو ماتت من ساعتها لم يحنث باتفاق، كمسألة الحمامات الواقعة في النذور من المدونة، وإنما لا يحنث في مسألة السوط إن لم يأتوه بالسوط على مذهب مالك إن كانت له نية، وعلى مذهب ابن القاسم إن كان حلف وهو يظن أنهم غيبوه عنه إذا تحقق أنهم لم يغبوه عنه، وأما إن لم يتحقق ذلك واتهمهم في قولهم أنهم لم يغيبوه عنه فهو حانث، إلا أنه لا يحكم عليه بالطلاق إذ لا يتحقق حنثه فيؤمر بذلك ولا يجبر عليه وبالله التوفيق.

.مسألة رفع الدراهم في بيته ثم طلبها فلم يجدها:

وسئل مالك: عن رجل رفع دراهم له في بيته فالتمسها بين فرشه فلم يجدها، فقال لامرأته: أين الدراهم؟ فقالت: ما رأيتها، فقال: أنت طالق البتة إن كان أخذها أحد غيرك، ثم إنه خرج ورجع على مصلى كانت له في البيت فرفعه فإذا هو بالدراهم تحت المصلى، وذكر أنه جعلها ثم نسيها.
قال: أرى أنها طلقت عليه البتة، قيل له: إنه يقول إنما حلفت ما أخذها غيرك، وإنها لم تأخذها هي ولا غيرها، ففكر فيها ثم تعجب فيمن يقول لم يحنث، ثم قال مالك: إنما ذلك بمنزلة ما لو قال لم يسرقها أحد غيرك لم يحركها أحد غيرك، فأراه حانثا.
وفي سماع عيسى من كتاب بع ولا نقصان عليك، قال ابن القاسم: في رجل افتقد بضاعة في بيته فاتهم امرأته، فقال لها: أين البضاعة؟ فقالت له: ما أدري، فقال لها: أنت طالق إن لم تأتني بها بعينها، ثم وجدها في مكان جعلها فيه، قال: هي طالق، ثم أتي بهذه المسألة التي فوقها، وقال: هي طالق، قال: ولقد كان بيني وبين ابن بر فيها كلام، فسألنا مالكا عنها، فقال: قد حنث في قوله في هذه المسألة، وعجب ممن يقول لم يحنث.
قال محمد بن رشد: قول مالك في الذي رفع الدراهم في بيته ثم حلف لما طلبها فلم يجدها بالطلاق، أن امرأته أخذتها، ثم وجدها حيث جعلها إن الطلاق يلزمه، إلا أن تكون له نية أنه إن كانت أخذت هو على قياس قوله في المسألة التي قبلها؛ لأنه إنما حلف وهو يظن أنها قد أخذت فانكشف الأمر بخلاف ما ظن، وفي الثمانية من رواية ابن الماجشون عنه أنه لا حنث عليه، وأنها نزلت فسئل عنها عامة أهل المدينة فلم يختلفوا في أنه لا شيء عليه، وهو على قياس قول ابن القاسم في المسألة التي قبلها؛ لأن معنى يمينه إنما هي أخذتها إن كانت أخذت، وأما مسألة البضاعة لابن القاسم فهي كمسألة السوط المتقدمة بعينها، فقوله فيها خلاف قوله في مسألة السوط، مثل قول ابن دينار في مسألة البضاعة هذه، وقول مالك في مسألة البضاعة هذه على قياس قوله في مسألة السوط، وقد مضى من القول في مسألة السوط ما فيه بيان وشفاء، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يزوج ابنته لابن عمه ثم خطبها بعد ذلك:

وسئل مالك: عن رجل كانت له ابنة متزوجة فكان بينها وبين زوجها كلام، فقال أبوها اتق الله يا عبد الله، فإما أمسكت بمعروف، وأما سرحت بإحسان، فقال له زوجها: احلف لي بطلاق امرأتك لئن أنا فارقتها ألا تزوجها فلانا لابن عم له، فقال: نعم امرأته طالق البتة إن أنت فارقتها إن زوجتها فلانا فأقامت معه بعد ذلك ما شاء الله ثم وقع بينه وبينها شر، فقال له أبوها: اتق الله يا عبد الله إنما بك ما أعطيتها مما هو عليك أو دفعته إليها، فأنا له ضامن وخل سبيلها، فقال زوجها لأبيها: فقد ملكتك ذلك، فوقف الأب إعظاما للتفرقة، ثم قال لابنته: يا فلانة، هذا زوجك قد كان من أمره كذا وكذا وملكني، فقالت: قد رددت عليه ما أعطاني وبرئت منه وبرئ مني، فقال الزوج: قد رضيت، فذهب بها، ثم إنها اعتدت فانقضت عدتها ثم خطبها الذي كان أبوها حلف فيه ولم يكن زوجها فارق ابنته يوم حلف ألا يزوج ابن عمه.
فقال مالك: أرى اليمين عليك، قيل له: فما لهذا حيلة؟ قال: بلى، إن هي استأذنت السلطان حتى يزوجها فإنها ثيب مالكة أمرها لم أر عليه شيئا.
قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة إن اليمين عليه وهو لم يفارق ابنته يوم سأله طلاقها خلاف المشهور في المذهب من حمل الأيمان على بساطها، مثل قوله في رسم سلعة سماها، وقد تقدم القول على ذلك هنالك ولو لم يكن في هذه المسألة بساط تحمل عليه يمين الحالف من سؤال الأب إياه الطلاق لتخرج ذلك على الاختلاف في اليمين هل هي محمولة على التعجيل حتى يريد التأخير، أو على التأخير حتى يريد التعجيل، والاختلاف في هذا جار على اختلاف أهل الأصول في الأمر هل يقتضي الفور أم لا؟ وقد مضى هذا المعنى في كتاب النذور في رسم سن من سماع ابن القاسم ورسم المكاتب من سماع يحيى، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق أن يشق كبده إن شق ثوبه:

وسئل مالك: عن رجل كانت بينه وبين رجل منازعة فجبذ بثوبه، وقال له: لأشقه، فامرأته طالق البتة إن لم يكن لو أنك شققته لشققت جربك، ثم قال له الثانية امرأته طالق إن لم يكن لو أنك شققته لشققت كبدك إلا ألا أقدر عليك، فردده مرتين.
ثم قال له مالك: استغفر الله ولا شيء عليك، قيل له: كأنك لم تر عليه شيئا إلا أن يشق الثوب؟ قال: نعم، ولم ير عليه شيئا، قال سحنون: هذه جيدة جدا يرد إليها كل رواية عن مالك مما يشبهها؛ لأنه قد اختلف في مثل هذا قوله.
قال محمد بن رشد: اختلف لو كان كذا وكذا لما لم يكن يفعل كذا وكذا على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا شيء عليه إذا لم يكن ذلك الشيء كان الذي حلف ليفعلنه مما يجوز فعله أو مما لا يجوز، وهو قول مالك هذا؛ لأنه لم ير عليه شيئا إذا لم يشق الثوب، وشق الكبد مما لا يجوز له أن يفعله، فهو فيما لا يجوز له أن يفعله، وهو قول أصبغ في الواضحة.
والثاني: أنه يحنث إن كان الذي حلف ليفعلنه مما لا يجوز له أن يفعله ولا يحنث إن كان مما يجوز له فعله، وهو قول مالك في رواية ابن الماجشون عنه، ودليل قوله في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة في مسألة الذي حلف لو كان حاضرا لفقأ عين الذي شتم أخاه؛ لأنه قال فيها: إنه حانث لأنه حلف على ما لا يبر فيه ولا في مثله، فدل ذلك من قوله أنه لو حلف على ما يجوز له أن يبر فيه لم يحنث، فقول مالك في مسألة المدونة خلاف قوله في هذه المسألة، إذ لا فرق بين المسألتين، وهو الذي لجأ إليه سحنون، وقد دل على ذلك أيضا قول ابن القاسم في التفسير.
الثالث: إنه حانث في المسألتين جميعا، وذهب ابن لبابة إلى أن المسألتين مفترقتان وليس ذلك بصحيح إذ لا فرق بين أن يحلف على فقء عينيه لو كان حاضرا أو على شق كبده أو شق ثوبه، وقوله كأنك لم تر عليه شيئا إلا أن يشق الثوب معناه حلف بالطلاق أن يشق كبده إن شق ثوبه فيما يستقبل لم يختلف في أنه لا شيء عليه إن لم يشق الثوب ولا في أنه يعجل عليه الطلاق إن شقه، ولا يمكن من البر بشق كبده، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يركب حمارا في حج فخرج إلى جدة:

وسئل مالك: عن رجل حلف ألا يركب حمارا في حج فخرج إلى جدة وهو من أهل المدينة مرابطا، أفترى له أن يركب حمارا؟
قال: لا أرى له ذلك، ونهاه عنه، قال عيسى: إنما نهاه عن ركوب الحمار إلى جدة لأن طريقه على مكة، فأما لو كان طريقه على غير مكة فليركب حمارا إن شاء، وروى يحيى عن ابن القاسم إن كان نوى ألا يركبه في حج لشيء كرهه من ركوب الحمار في الحج فلا شيء عليه في ركوب الحمار في غير الحج إلى مكة وغيرها.
قال محمد بن رشد: رواية يحيى لم تثبت في جميع الأمهات، وهي صحيحة في المعنى لا إشكال في أنه إنما حلف لكراهته معنى يختص بركوب الحمار في شيء من مناسك الحج، فلا حنث عليه في ركوب الحمار في غير حج إلى مكة وغيرها، وإن كان حلف لكراهية معنى يختص بركوب الحمار في طريق مكة إلى المدينة فهو حانث إن ركب في طريق مكة إلى جدة أو إلى غيرها، وإن كان حلف لكراهة معنى يختص بركوب الحمار في طريق مكة إلى الحج فيحنث بركوبه الحمار إلى جدة وإن كان طريقه على مكة على ما قاله عيسى من أجل أنه إذا مر بمكة وجب عليه أن يدخلها محرما بعمرة، والعمرة بعض عمل الحج فيصير قد ركب حمارا في بعض أعمال الحج والحنث يدخل بأقل الوجوه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لرجل احلف ويميني على مثل يمينك:

ومن كتاب سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وسئل مالك: عن رجل قال لرجل: احلف ويميني على مثل يمينك، فحلف بالعتق والطلاق، فأنكر ذلك.
قال مالك: إذا أنكره مكانه فذلك له، وإن صمت لزمته اليمين.
قال محمد بن رشد: قوله إن ذلك له إذا أنكر مكانه معناه إن ادعى أنه إنما ظن أنه يحلف بالله، وأنه لم يرد إلا ذلك على ما في رسم سلف من سماع عيسى وعلى ما حكى ابن حبيب في الواضحة، ويكون عليه اليمين في ذلك على ما حكاه ابن حبيب، وهذا إذا كانت للحالف زوجة إن كان حلف بالطلاق، أو عبيد إن كان حلف بالعتق على ما في رسم أبي زيد لأنه إنما أراد أن يكون عليه مثل ما عليه فإذا لم يلزم الحالف في يمينه شيء لم يلزمه هو شيء إلا أن يقول مثل قوله محاكاة له أو يقول على مثل ما حلفت به فيلزمه ذلك على ما قاله ابن حبيب في الواضحة، فالروايات كلها مفسرة بعضها لبعض لا يحتمل شيء منها على الخلاف، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بتطليقة على موت ناقة أنها ماتت فيما بين الظهر والعصر:

وسئل مالك: عن رجل حلف بتطليقة على موت ناقة أنها ماتت فيما بين الظهر والعصر ثم شك في ذلك، فأتى يسأل مالكا بعد حين.
فقال مالك: إن كانت لم تحض ثلاث حيض من يوم حلفت فارتجعها وأشهد على ذلك فقد وقعت عليك تطلقة، وإن كانت قد حاضت ثلاث حيض من يوم حلفت كنت خاطبا من الخطاب وقد بانت منك إلا بنكاح جديد.
قال محمد بن رشد: يريد أن هذا يؤمر به ولا يجبر عليه إن أباه؛ لأن هذا من الشك الذي لا يحكم فيه في الطلاق، وقد مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة تقسيم الشك في الطلاق على مذهب مالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة قال امرأته طالق لقد بعته منه بمحضر فلان وفلان:

ومن كتاب أخذ يشرب خمرا:
وسئل مالك: عن عبد كانت له زوجة وأن سيده أرسل إليه في خرج كان للعبد، فأرسل إليه إني قد بعته من أخيك، فأتى سيده مغضبا يظن أنه كتمه إياه، فقال: أين الخرج؟ قال: بعته من أخيك، قال: فاحلف بطلاق امرأتك، قال العبد: امرأته طالق إن لم يكن أخوك أرسل إلي فيه وبعته إياه وانتقدت ثمنه، ثم إن العبد ذكر بعد ذلك فإذا أخو الرجل هو الذي لقيه في الخرج وباعه إياه وانتقد ثمنه، وأنه لم يأته فيه رسول.
قال مالك: لا أرى عليك في ذلك حنثا، إنما أراد وجه الكتمان وأنه اتهمه ألا يكون باعه، وأنه غيبه، فما أرى في ذلك شيئا، قيل: إنه حلف لقد أرسل إلي وإنما لقيته؟ قال: ما أرى عليه شيئا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه لا حنث عليه لأنه لم يقصد بيمينه إلا الحلف على ما استحلفه سيده عليه من أنه قد باع الخرج ولم يغيبه عنه، وما زاد في يمينه من أن أخاه أرسل إليه فيه لم يقع عليه فيه اليمين، إذ لم يستحلفه سيده على ذلك ولا قصد هو إلى الحلف عليه ولا إلى أن يحقق بيعه به إذ لا تأثير لذلك في تحقيق البيع، ولو كان لما زاده في يمينه تأثير في تحقيق البيع مثل أن يذكر أنه لم ينتقد الثمن وهو قد حلف أنه باعه وانتقد ثمنه وهو أن يقول امرأته طالق لقد بعته منه بمحضر فلان وفلان، ثم ذكر أنه لم يبعه منه إلا فيما بينه وبينه لتخرج ذلك على قولين في مسائل حكاها ابن حبيب من هذا النوع، وستأتي هذه المسألة متكررة وما يشبهها في رسم استأذن من سماع عيسى.

.مسألة طلاق السكران:

وسئل: عن عبد سكران أتى إلى باب دار رجل فأغلق صاحب الدار بابه فزعزعه السكران من الليل، فقال وهو سكران متلطخ: قد قفلته كانت له امرأة حرة- فهي طالق، فقال له صاحب الدار: ويحك ما أظنك إلا وقد حرمت عليك، قال: إن كانت حراما فهي حرام، قيل له: ويحك ما نظنك إلا وقد طلقت منك، قال: إن كانت طالقا فهي طالق.
قال مالك: أراها قد بانت منه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن العبد السكران أتى إلى باب دار رجل وهو يظن داره، فلما أغلق صاحب الدار باب داره دونه، ظن هو أن زوجته هي التي أغلقت الباب دونه، فقال: هي طالق طالق يريد امرأته، فخاطبه صاحب الدار بما خاطبه به وراجعه هو بما راجعه، فرأى مالك أنها قد بانت منه بثلاث من أجل قوله إن كانت طالق فهي طالق؛ لأنها قد كانت طالقا بطلقتين بقوله: هي طالق طالق، فوقعت عليه تطليقة ثالثة بقوله إن كانت طالقا فهي طالق، ولم يلزمه شيء بقوله إن كانت حراما فهي حرام، إذ لم تكن بعد حراما، وإنما كانت طالقا تطلقتين، وهو إذا أشهدت عليه بذلك بينة، وأما إن أتى مستفتيا فادعى أنه لم يرد بذلك طلقة ثالثة، وإنما أراد الإخبار بأنها طالق إن كانت طالقا فينوي في ذلك وينوي أيضا إن أتى مستفتيا في أنه لم يرد بقوله هي طالق طالق إلا طلقة واحدة، وإنما كرر اللفظ بالطلاق على سبيل التأكيد.
وإيجابه الطلاق عليه بقوله هي طالق وهو يشير إلى صاحب الدار يظن أنها امرأته معارض لأول مسألة من سماع عيسى أيضا من كتاب، والقولان في هذا المعنى قائمان من العتق الأول من المدونة: مسألة مرزوق وناصح، وقد تأول في هذه المسألة أن امرأة السكران هي التي أغلقت الباب دونه، وهو بعيد على ظاهر اللفظ، وبالله التوفيق.